فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أنه تعالى لما حكى عن فرعون هذا الكلام حكى بعده ما ذكره موسى عليه السلام فحكى عنه أنه قال: {إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي عذت بإدغام الذال في التاء والباقون بالإظهار.
المسألة الثانية:
المعنى أنه لم يأتِ في دفع شره إلا بأن استعاذ بالله، واعتمد على فضل الله لا جرم صانه الله عن كل بلية وأوصله إلى كل أمنية، وعلم أن هذه الكلمات التي ذكرها موسى عليه السلام تشتمل على فوائد:
الفائدة الأولى: أن لفظة {إِنّى} تدل على التأكيد فهذا يدل على أن الطريق المؤكد المعتبر في دفع الشرور والآفات عن النفس الاعتماد على الله والتوكل على عصمة الله تعالى.
الفائدة الثانية: أنه قال: {إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} فكما أن عند القراءة يقول المسلم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن، فكذلك عند توجه الآفات والمخافات من شياطين الإنس إذا قال المسلم: أعوذ بالله فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات.
الفائدة الثالثة: قوله: {بِرَبّى وَرَبّكُمْ} والمعنى كأن العبد يقول إن الله سبحانه هو الذي رباني وإلى درجات الخير رقاني، ومن الآفات وقاني، وأعطاني نعمًا لا حد لها ولا حصر، فلما كان المولى ليس إلا الله وجب أن لا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ الله تعالى.
الفائدة الرابعة: أن قوله: {وَرَبّكُمْ} فيه بعث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة بالله، والمعنى فيه أن الأرواح الطاهرة القوية إذا تطابقت على همة واحدة قوي ذلك التأثير جدًّا، وذلك هو السبب الأصلي في أداء الصلوات في الجماعات.
الفائدة الخامسة: أنه لم يذكر فرعون في هذا الدعاء، لأنه كان قد سبق له حق تربية على موسى من بعض الوجوه، فترك التعيين رعاية لذلك الحق.
الفائدة السادسة: أن فرعون وإن كان أظهر ذلك الفعل إلا أنه لا فائدة في الدعاء على فرعون بعينه، بل الأولى الاستعاذة بالله في دفع كل من كان موصوفًا بتلك الصفة، حتى يدخل فيه كل من كان عدوًا سواء كان مظهرًا لتلك العداوة أو كان مخفيًا لها.
الفائدة السابعة: أن الموجب للإقدام على إيذاء الناس أمران أحدهما: كون الإنسان متكبرًا قاسي القلب والثاني: كونه منكرًا للبعث والقيامة، وذلك لأن التكبر القاسي قد يحمله طبعه على إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقرًا بالبعث والحساب صار خوفه من الحساب مانعًا له من الجري على موجب تكبره، فإذا لم يحصل عنده الإيمان بالبعث والقيامة كانت الطبيعة داعية له إلى الإيذاء والمانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائلًا، وإذا كان الخوف من السؤال والحساب زائلًا فلا جرم تحصل القسوة والإيذاء.
الفائدة الثامنة: أن فرعون لما قال: {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} قال على سبيل الاستهزاء {وليدع رَبَّهُ} فقال موسى إن الذي ذكرته يا فرعون بطريق الاستهزاء هو الدين المبين والحق المنير، وأنا أدعو ربي وأطلب منه أن يدفع الشرك عني، وسترى أن ربي كيف يقهرك، وكيف يسلطني عليك.
واعلم أن من أحاط عقله بهذه الفوائد علم أنه لا طريق أصلح ولا أصوب في دفع كيد الأعداء وإبطال مكرهم إلا الاستعاذة بالله والرجوع إلى حفظ الله، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا} وهي التسع الآيات المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] وقد مضى تعيينها.
{وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي بحجة واضحة بينة، وهو يذكر ويؤنث.
وقيل: أراد بالسلطان التوراة.
{إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ} خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم؛ ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما؛ لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما.
{فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ} لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا} وهي المعجزة الظاهرة {قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ} قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع الإنسان من الإيمان؛ ولئلا يكثر جمعهم فيعتضدوا بالذكور من أولادهم، فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب، كالضفادع والقمّل والدّم والطوفان إلى أن خرجوا من مصر، فأغرقهم الله.
وهذا معنى قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} أي في خسران وهلاك، وإن الناس لا يمتنعون من الإيمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطلًا.
قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} {أَقْتُلْ} جزم؛ لأنه جواب الأمر {وَلْيَدْعُ} جزم؛ لأنه أمر و{ذَرُونِي} ليس بمجزوم وإن كان أمرًا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني.
وقيل: هذا يدلّ على أنه قيل لفرعون: إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب؛ فقال: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي لا يهولنّكم ما يذكر من ربه فإنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى.
{إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أي عبادتكم لي إلى عبادة ربه {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} إن لم يبدل دينكم فإنه يظهر في الأرض الفساد.
أي يقع بين الناس بسببه الخلاف.
وقراءة المدنيين وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ وابن عامر وأبي عمرو: {وَأَنْ يُظْهِرَ في الأَرْضِ الْفَسَادَ} وقراءة الكوفيين {أَوْ أَنْ يَظْهَر} بفتح الياء {الْفَسَادُ} بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين: {أو} بألف وإليه يذهب أبو عبيد؛ قال: لأن فيه زيادة حرف وفيه فصل؛ ولأن {أو} تكون بمعنى الواو.
النحاس: وهذا عند حُذَّاق النحويين لا يجوز أن تكون بمعنى الواو؛ لأن في ذلك بطلان المعاني، ولو جاز أن تكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا هاهنا؛ لأن معنى الواو {إِنِّي أَخَافُ} الأمرين جميعًا ومعنى {أَوْ} لأحد الأمرين أي {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} فإن أعوزه ذلك أظهر في الأرض الفساد.
قوله تعالى: {وَقَالَ موسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بالله {مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} أي متعظم عن الإيمان بالله، وصفتُه أنه {لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} وهي معجزاته عليه السلام {وسلطان مُّبِينٍ} حجة قاهرة ظاهرة، والمراد بذلك قيل ما أريد بالآيات ونزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأول، وقيل: المراد به بعض من آياته له شأن كالعصا، وعطف عليه تفخيمًا لشأنه كما عطف جبريل وميكال عليهما السلام على الملائكة.
وتعقب بأن مثله إنما يكون إذا غير الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر، وحكى الطبرسي أن المراد بالآيات حجج التوحيد وبالسلطان المعجزات الدالة على نبوته عليه السلام، وقيل الآيات المعجزات والسلطان ما أوتيه عليه السلام من القوة القدسية وظهورها باعتبار ظهور آثارها من الإقدام على الدعوة من غير اكتراث.
وقرأ عيسى {سلطان} بضم اللام.
{إلى فِرْعَوْنَ وهامان} وزير فرعون، وزعم اليهود أنه لم يكن لفرعون وزير يدعى هامان وإنما هامان ظالم جاء بعد فرعون بزمان مديد ودهر داهر نفى جاءهم من اختلال أمر كتبهم وتواريخ فرعون لطول العهد وكثرة المحن التي ابتلوا بها فاضمحلت منها أنفسهم وكتبهم.
{وَقَارُونَ} قيل هو الذي كان من قوم موسى عليه السلام، وقيل: هو غيره وكان مقدم جنود فرعون، وذكرهما من بين أتباع فرعون لمكانتهما في الكفر وكونهما أشهر الأتباع.
وفي ذكر قصة الإرسال إلى فرعون ومن معه وتفصيل ما جرى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبل وأقر بهم زمانًا ولذا خص ذلك بالذكر، ولا بعد في كون فرعون وجنوده أشد من عاد {فَقَالُواْ ساحر} أي هو يعنون موسى عليه السلام ساحر فيما أظهر من المعجزات {كَذَّابٌ} في دعواه أنه رسول من رب العالمين.
{فَلَمَّا جَاءهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا} وبلغهم أمر الله تعالى غير مكترث بقولهم ساحر كذاب {قَالُواْ} غيظًا وحنقًا وعجزًا عن المعارضة {اقتلوا أَبْنَاء الذين ءامَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَاءهُمْ} أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلونه بهم أولًا كي تصدوهم عن مظاهرة موسى عليه السلام، فالأمر بالقتل والاستحياء وقع مرتين.
المرة الأولى حين أخبرت الكهنة والمنجمون في قول فرعون بمولود من بني إسرائيل يسلبه ملكه، والمرة الثانية هذه، وضمير {قَالُواْ} لفرعون ومن معه.
وقيل: إن قارون لم يصدر منه مثل هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} في ضياع من ضلت الدابة إذا ضاعت، والمراد أنه لا يفيدهم شيئًا فالعاقبة للمتقين، واللام إما للعهد والإظهار في موقع الإضمار لذمهم بالكفر والإشعار بعلة الحكم أو للجنس والمذكورون داخلون فيه دخولًا أولياف، والجملة اعتراض جىء به في تضاعيف ما حكي عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه من الإبراق والإرعاد واضمحلاله بالمرة.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا ساحر يقاومه ساحر مثله وإنك إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة، والظاهر أنه لعنه الله تعالى استيقن أنه عليه السلام نبي ولكن كان فيه خب وجريرة وكان قتالًا سفاكًا للدماء في أهون شيء فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه الذي يثل عرشه ويهدم ملكه ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك فقوله: {ذَرُونِى} إلخ كان تمويهًا على قومه وإيهامًا أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع ويرشد إلى ذلك قوله: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} لأن ظاهره الاستهانة بموسى عليه السلام بدعائه ربه سبحانه كما يقال: ادع ناصرك فإني منتقم منك، وباطنه أنه كان يرعد فرائصه من دعاء ربه فلهذا تكلم به أول ما تكلم وأظهر أنه لا يبالي بدعاء ربه وما هو إلا كمن قال: ذروني أفعل كذا وما كان فليكن وإلا فما لمن يدعي أنه ربهم الأعلى أن يجعل لما يدعيه موسى عليه السلام وزنًا فيتفوه به تهكمًا أو حقيقة {إِنّى أَخَافُ} إن لم أقتله {أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ} أن يغير حالكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعادة الأصنام وكان عليه اللعنة قد أمرهم بنحتها وإن تجعل شفعاء لهم عنده كما كان كفار مكة يقولون: {هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] ولهذا المعنى أضافوا الآلهة إليه في قولهم: {وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ} [الأعراف: 127] فهي إضافة تشريف واختصاص وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين، وقال ابن عطية: الدين السلطان ومنه قول زهير:
لئن حللت بحي من بني أسد ** في دين عمرو وحالت بيننا فدك

أي إني أخاف أن يغير سلطانكم ويستذلكم {أَوْ أَن يُظْهِرَ} إن لم يقدر على تغيير دينكم بالكلية {فِى الأرض الفساد} وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب ويهلك الناس قتلا وضياعًا فالفساد الذي عناه فساد دنياهم، فيكون حاصل المعنى على ما قرر أولًا إني أخاف أن يفسد عليكم أمر دينكم بالتبديل أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتعطيل وهما أمران كل منهما مر، ونحو هذا يقال على المعنى الثاني للدين، وعن قتادة أن اللعين عنى بالفساد طاعة الله تعالى: وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {وَأَنْ} بالواو الواصلة.
وقرأ الأعرج والأعمش وابن وثاب وعيسى وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص {يُظْهِرُ} بفتح الياء والهاء {الفساد} بالرفع.
وقرأ مجاهد {يُظْهِرُ} بتشديد الظاء والهاء {الفساد} بالرفع.
وقرأ زيد بن علي {يُظْهِرُ} بضم الياء وفتح الهاء مبنيًّا للمفعول {الفساد} بالرفع.
{وَقَالَ مُوسَى} لما سمع بما أجراه اللعين من حديث قتله {إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} قاله عليه السلام مخاطبًا به قومه على ما ذهب إليه غير واحد، وذلك أنه لما كان القول السابق من فرعون خطابًا لقومه على سبيل الاستشارة وإجالة الرأي لا بمحضر منه عليه السلام كان الظاهر أن موسى عليه السلام أيضًا خاطب قومه لا فرعون وحاضريه بذلك، ويؤيده قوله تعالى في الأعراف {وَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ استعينوا} [الأعراف: 128] في هذه القصة بعينها، وقوله تعالى هنا: {وَرَبّكُمْ} فإن فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته تعالى واردة أنه تعالى كذلك في نفس الأمر لا يضر في كونه مؤيدًا لأن التأييد مداره الظاهر، وصدر الكلام بأن تأكيدًا وتنبيهًا على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله تعالى، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ، والتربية وأضافه إليه وإليهم حثًا لهم على موافقته في العياذ به سبحانه والتوجه التام بالروح إليه جل شأنه لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة، وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات، و{مِن كُلّ} على معنى من شر كل وأراد بالتكبر الاستكبار عن الإذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة ومهانة نفسه وعلى فرط ظلمه وعسفه، وضم إليه عدم الإيمان بيوم الجزاء ليكون أدل وأدل، فمن اجتمع فيه التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله تعالى وعباده ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها، واختير المنزل دون منه سلوكًا لطريق التعريض لأنه كلام وارد في عرضهم فلا يلبسون جلد النمر إذا عرض عليهم مع ما في ذلك من الدلالة على علة الاستعاذة ورعاية حق تربية اللعين له عليه السلام في الجملة.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {عت} بإدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)} هذا ذكر فريق آخر من الأمم لم يشهد العرب آثارهم وهم قوم فرعون أقباطُ مصر، وتقدم نظير هذه الآية في أواخر سورة هود.
وتقدم ذكر هامان وهو لقب وزير فرعون في سورة القصص.
وفي هذه القصة أنها تزيد على مَا أجمل من قصص أمم أخرى أن فيها عبرتين: عبرةً بكيد المكذبين وعنادهم ثم هلاكهم، وعبرةً بصبر المؤمنين وثباتهم ثم نصرهم، وفي كلتا العبرتين وعيد ووعد.
وجملة: {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّاب} معترضة بين جملة {ولقد أرْسَلْنَا موسى} وبين جملة {فَلَمَّا جَاءَهم بِالحَقّ} [غافر: 25].
وقَارون هو من بني إسرائيل كذب موسى، وتقدم ذكره في القصص، وقد قيل إنه كان منقطعًا إلى فرعون وخادمًا له، وهذا بعيد لأنه كان في زمرة من خرج مع موسى، أي فاشترك أولئك في رمي رسولهم بالكذب والسحر كما فعلت قريش.